كانت الأعمال القتالية التي إندلعت بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية بين 7 تموز/يوليو و26 آب/أغسطس 2014 الأشدّ تدميرًا في قطاع غزة منذ بداية الإحتلال الإسرائيلي في العام 1967. ففضلًا عن مقتل 1,460 مدنيًا فلسطينيًا، بمن فيهم 556 طفلًا،[1] دُمِّر ما يقرب من 17,800 وحدة سكنية أو لحقت بها أضرار جسيمة، مما تسبب في تهجير نحو 100,000 شخص. وبعد مرور ثلاثة أعوام ونصف العام على وقف إطلاق النار، ما يزال أكثر من 22,000 شخص (4,126 أسرة) مهجرين (حتى نهاية شهر شباط/فبراير 2018).[2] وحسبما يتبيّن أدناه، فما يزال الكثير من هؤلاء يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر وفي حالة من إنعدام اليقين بشأن مستقبلهم.
ويُعَدّ نقص التمويل السبب الرئيسي الذي يقف وراء تباطؤ وتيرة إعادة الإعمار: فلم يحصل نحو ثلثيْ من تبقى من الأشخاص المهجرين داخليًا على أي دعم في مجال الإسكان، وهم لا يرون نهاية وشيكة لتهجيرهم. وما تزال المنازل التي يملكها الثلث الآخر قيد البناء أو في إنتظار بدء العمل في بنائها. كما تتسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على إستيراد مواد الإنشاء الأساسية إلى غزة، وبدرجة أقل، في إعاقة عملية إعادة الإعمار. وعلى الرغم من هذا التأخير، فما تزال مواد الإنشاء المقيّدة تدخل بصورة منتظمة من خلال آلية إعادة إعمار غزة، التي جرى الإتفاق عليها في العام 2014 بين الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وإسرائيل.
خلال شهريْ تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2017، أجرى المجلس النرويجي للاجئين دراسة إستقصائية حول هشاشة الأوضاع الإنسانية للإسترشاد بها في التدخلات الإنسانية التي تستهدف دعم الأشخاص المهجرين داخليًا.[3] وقد شملت هذه الدراسة الإستقصائية مسح ما مجموعه 1,179 أسرة مهجرة داخليًا، من بينها نحو 30 بالمائة جرى تحديدها مسبقًا على أنها أُسر ضعيفة، بينما تمّ إختيار الأسر الأخرى، التي بلغت نسبتها 70 بالمائة، على أساس عشوائي.[4]
وأفاد ما يقرب من نصف الأسر المستطلَعة بأنها تقطن مساكن مستأجرة، يليها 18 بالمائة تقيم في منازل لحقت بها الأضرار أو أعيدَ إعمارها بصورة جزئية (دون تمويل)، و12 بالمائة كانت تقيم مع عائلاتها الكبيرة أو مع عائلات مضيفة.
ويحتل الإكتظاظ مستويات مرتفعة على نحو ملحوظ: فنحو 30 بالمائة من الأسر التي شملتها الدراسة الإستقصائية تقيم في مساكن يتألف الواحد منها من غرفة نوم واحدة، وتقطن أسر أخرى تبلغ نسبتها 36 بالمائة في مساكن يتألف الواحد منها من غرفتيْ نوم. ومن المحتمل أن الإكتظاظ يُعَدّ أحد العوامل المهمة التي تقف وراء إرتفاع مستويات العنف القائم على الجنس الذي يجري الإبلاغ عنه: فقد أشار ما نسبته 49 بالمائة من الأسر المشمولة في المسح إلى أن التهجير أدى إلى زيادة في حالات العنف القائم على الجنس فيها، كما أشار 42 بالمائة من الأسر إلى إزدياد حالات العنف الواقع على الأطفال في المنزل.
وتُعَد المساعدات النقدية للمأوى المؤقّت، والتي تتراوح قيمتها من 200 إلى 250 دولار أمريكي شهريًا وتُدفع لكل أسرة، الشكل الرئيسي من أشكال المساعدات التي يقدمها مجتمع العمل الإنساني للأسر المؤهلة، مما يمكّنها من إستئجار مساكن إلى حين إعادة إعمار منازلها أو إعادة تأهيلها. ومع ذلك، فقد توقف العمل على توزيع هذه المساعدات بسبب النقص الحاد الذي شهده التمويل.
وتعكس نتائج الدراسة الإستقصائية هذا الوضع، حيث أفاد 41 بالمائة فقط من الأسر المستطلعة بأنها تلقت المساعدات النقدية للمأوى المؤقت على أساس منتظم، وكانت 13 بالمائة من الأسر غير متأكدة من أهليتها الحالية، أما البقية فأشارت إلى توقّف صرف الدفعات المخصصة لها أو أنها لم تحصل على أي دفعة على الإطلاق. ومما يثير القلق أنّ معظم الأسر التي أشارت إلى وقف صرف المساعدات النقدية للمأوى المؤقت المخصصة لها أفادت بأنها لم تكن على علم بالسبب الذي يقف وراء ذلك.
ويشكّل العجز عن تسديد الإيجار أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الأسر المهجرة داخليًا إلى الإنتقال إلى منازل أخرى بصورة مستمرة. فقد أفادت ما نسبته 65 بالمائة من الأسر التي شملتها الدراسة الإستقصائية بأنها إضطرت إلى ىتغيير محل اقامتها من ثلاث إلى عشر مرات منذ أن تمّ تهجيرها للمرة الأولى في العام 2014. وفضلًا عن ذلك، أشار 35 بالمائة من الأسر إلى أنها لا تعيش في هذه الآونة في أحيائها أو مناطقها الأصلية. وأشار العديد من هذه الأسر إلى أن التهجير سبّب آثارًا سلبية على وصولها إلى الفرص التي تؤمِّن سُبل عيشها، وإلى المدارس وخدمات الرعاية الصحية.
وبالإضافة إلى ما ذكر سابقاً ، كان ما نسبته 64 بالمائة من أرباب الأسر عاطلين عن العمل في الوقت الذي أُجريت فيه الدراسة الإستقصائية، وهي نسبة تزيد كثيراً عن معدل البطالة الذي بلغ 43,6 بالمائة في عموم أنحاء قطاع غزة خلال الربع الرابع من العام 2017.[5] وتشمل آليات التكيّف بيع الأصول، وشراء المواد الغذائية بالدَّين وتقليص التنوع الغذائي. ويثير هذا الأمر القلق على نحو خاص بالنسبة للنساء الحوامل والمرضعات، اللواتي أشار نحو 20 بالمائة منهن إلى أنهن يتناولن أغذية لا تتناسب مع إحتياجاتهن.
ويُعدّ صرف التمويل الذي تعهدت الجهات المانحة به لإعادة إعمار قطاع غزة عقب الأعمال القتالية التي إندلعت في العام 2014 الخطوة الرئيسية المطلوبة للمضيّ قدمًا نحو وضع حدّ للتهجير طويل الأمد والتخفيف من حالة الضعف التي تنتاب الأشخاص المهجرين داخليًا. وفي هذه الأثناء، تقتضي الضرورة تقديم ما يكفي من التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وغيرها من الوكالات من أجل المحافظة على عمل برنامج المساعدات النقدية للمأوى المؤقت وتوفير الحدّ الأدنى من الوسائل الضرورية التي تيسّر للأشخاص المهجرين داخليًا البقاء في مساكنهم الحالية. ومن الضروري كذلك إطْلاع الأسر المهجرة داخليًا على إستحقاقاتها وعلى التحديات التي تعترض تقديم المساعدات لها بغية التخفيف من حالة الضعف التي تعصف بها.
تعرّض منزل مروان كشكو، الذي يبلغ 62 عامًا من عمره ويعاني من صعوبات في السمع، في منطقة الزيتون بمدينة غزة للتدمير بصورة كلية تقريبًا خلال الأعمال القتالية التي شهدها العام 2014. "لقد عشت مع زوجتي وأطفالي في هذا المنزل طيلة 32 عامًا. وبعد الحرب، أقمنا في خيمة بالقرب من ركام منزلي لمدة شهرين، وبعد أن تلقيتُ مساعدات نقدية إنتقلنا إلى شقة مستأجرة. ولكن المساعدات النقدية المخصصة للإيجار إنقطعت قبل سنة تقريبًا، وأظن أن ذلك بسبب نقص الأموال."
وتضيف زوجة مروان، أم وائل: "لقد جهزتُ كل الوثائق على أمل أن نتلقى المساعدات المالية من أجل إعادة بناء منزلنا على وجه السرعة. وقدمنا الطلب في آذار/مارس 2016، ولم نتلقّ أي ردّ حتى هذه اللحظة. وما نزال ننتظر، ولأننا لا نستطيع تحمل إيجار الشقة، عُدنا للإقامة في منزلنا المدمر. وليس في وسع المرء أن يسمي هذا منزلًا. فالجدران لا يمكن إصلاحها. والسقف يتألف من صفائح معدنية مموّجة تدعمها قضبان حديدية. وفي إحدى الأمسيات، دخل كلب ضال إلى المنزل وهددني. لقد إنتابني الذعر منه. كل ما أتمناه أن يكون لي بيت قبل حلول شهر رمضان المبارك لكي أنعم بطعام الفطور مع جميع أطفالي على مائدة واحدة."
[1] كما قُتل خمسة مدنيين إسرائيليين، من بينهم طفل، في سياق الأعمال القتالية التي إندلعت في العام 2014.
[2] أعدّت هذه التقديرات مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا، والتي يقودها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومجموعة الإيواء.
[3] تعنى هذه الدراسة الإستقصائية بتحديث دراسة إستقصائية لإعادة تسجيل المهجرين داخليًا وتحديد مواطن الضعف التي يعانون منها، والتي أجرتها مجموعة العمل المعنية بالأشخاص المهجرين داخليًا خلال النصف الثاني من العام 2015 بتنسيق من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقد إستهدفت هذه الدراسة الإستقصائية 16,000 أسرة مهجرة داخليًا. وللإطلاع على النتائج الرئيسية التي خلصت إليها هذه الدراسة، أنظر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الأشخاص المهجرين داخلياً"، نيسان/أبريل 2016، على الرابط.
[4] وقد أعتُبرت الأسر ضعيفة على نحو خاص في حالة الأسر التي تعيلها نساء، أو أشخاص متقدمون في السن أو أطفال، أو إذا كان فرد أو أكثر من أفرادها من ذوي الإعاقات، أو إذا كانت الأسرة تقيم في بيت متنقل أو مسكن مؤقت.
[5] على الرغم من أن هذين الرقمين يشيران إلى تفشّي معدلات البطالة في أوساط الأشخاص المهجرين داخليًا، فهما غير قابلين للمقارنة بصورة تامة: فلِكي يعد الشخص عاطلًا عن العمل ويندرج ضمن إحصائيات العمل، يجب أن يسعى هذا الشخص بنشاط للحصول على عمل خلال الفترة التي يغطيها التقرير المعني، ولا ينطبق هذا الحال بالضرورة على جميع أرباب الأسر التي تغطيها الدراسة الإستقصائية للأشخاص المهجرين داخليًا.