على مدى العقود القليلة المنصرمة، إستولت المنظمات الإستيطانية الإسرائيلية، وبدعم من السلطات الإسرائيلية، على ممتلكات تقع في الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية، وأقامت عددًا من التجمعات الإستيطانية فيها.[1] وتتركّز المستوطنات المقامة في المناطق الفلسطينية من القدس الشرقية فيما يُعرف بمنطقة ’الحوض المقدس‘، الذي يضم الحيَّيْن الإسلامي والمسيحي في البلدة القديمة، وسلوان، الشيخ جراح، والطور (جبل الزيتون)، ووادي الجوز، وراس العامود وجبل المكبر. وفي معظم الحالات، رفع أصحاب الممتلكات الدعاوى التي إعترضوا فيها على الإستيلاء على ممتلكاتهم أمام المحاكم الإسرائيلية، غير أن النجاح لم يحالفهم فيها. وتُعدّ المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وينطوي إنشاء العديد من التجمعات الإستيطانية المذكورة على إخلاء السكان الفلسطينيين وتهجيرهم قسرًا من أماكن سكناهم، مما يخلّف آثارًا إنسانية سلبية عليهم.[2] كما نتج عن هذا الوضع بيئة قسرية على الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يقطنون بجوار هذه التجمعات، حيث باتوا يرزحون تحت الضغوط التي تدفعهم إلى الرحيل. ومن جملة العناصر الرئيسة التي تشملها هذه البيئة تزايد حدّة التوتر، والعنف والإعتقالات، وفرض القيود على التنقل والوصول، ولا سيما خلال الأعياد اليهودية، وتقليص مساحة الخصوصية بسبب تواجد حراس الأمن الشخصيين وإنتشار كاميرات المراقبة.
ومن بين الأحياء التي تواجه أكبر قدر من الضغط حي بطن الهوى المكتظ بالسكان في سلوان.[3] ففي العام 2002، نقلت وزارة العدل الإسرائيلية (مكتب حارس الأملاك العام) ملكية أرض تبلغ مساحتها نحو خمسة دونمات في بطن الهوى إلى صندوق بنفنستي (Benvenisti Trust)، الذي يضم أمناؤه أعضاء في منظمة عطيرت كوهانيم الإستيطانية. وقد رفع عدد من الأسر الفلسطينية في حي بطن الهوى إلتماسًا في العام 2017 ضد نقل ملكية هذه الأرض أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية، وما يزال البتّ في هذا الإلتماس قيد النظر.[4] ومنذ العام 2002، رفعت منظمة عطيرت كوهانيم دعاوى إخلاء بحق 21 مبنى يؤوي نحو 85 أسرة فلسطينية، مما يهدّد بتهجير ما يقرب من 400 شخص. وتستحوذ المنظمة في هذه الآونة على ستة مبانٍ في المنطقة، حيث يسكن 200 مستوطن على مقربة من 700 فلسطيني.
وفقًا لسكان حي بطن الهوى، يزيد وجود المستوطنين وحراس الأمن الشخصيين التابعين لهم وشرطة حرس الحدود الإسرائيلية من إمكانية التوتر والعنف. ويتَرجم ذلك، على المستوى اليومي، في القيود التي تُفرض على التنقل، وعمليات التفتيش وإحتجاز السكان الفلسطينيين من أبناء الحي. ويقدِّر سكان الحي بأنّ القوات الإسرائيلية تُجري عملية تفتيش واحدة على الأقل كل أسبوع لمنازل الفلسطينيين بحجة إزالة أعلام فلسطين، أو مصادرة الكاميرات أو تنفيذ الإعتقالات، وتتسبب هذه العمليات في أغلب الأحوال في إلحاق الضرر بالأثاث والمقتنيات الشخصية.[5]
وعادةً ما تستهدف هذه العمليات الأطفال الفلسطينيين، في حوادث ثانوية غالبًا.[6] ففي سبع مناسبات على الأقل خلال شهر رمضان الماضي، واجهت شرطة حرس الحدود والمستوطنون الشبان الفلسطينيين الذين يشاركون في التقليد الذي يشهد قرع الطبول لإيقاظ النيام لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر. كما أبلغت شرطة حرس الحدود الأطفال بمنع تداول لُعَب على شكل بنادق خلال أيام عيد الفطر. وعلى وجه العموم، هناك علاقة قوية بين إحتجاز الأطفال والمناطق التي تشهد تواجدًا كبيرًا للمستوطنين الإسرائيليين في المناطق السكنية الفلسطينية في القدس الشرقية، ولا سيما في سلوان والبلدة القديمة. ومنذ العام 2012، وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكثر من 560 حالة من إحتجاز الأطفال في سلوان، بما فيها حي بطن الهوى. ويشكّل هذا العدد نحو ربع عدد الحالات الموثقة التي شهدت إحتجاز الأطفال خلال هذه الفترة، والتي بلغت 2,400 حالة.
وهناك إدعاءات بشأن تطبيق سياسة الكيل بمكيالين، حيث يعمد المستوطنون إلى ركن سياراتهم بصورة تخالف القانون أو تغلق الطرق لفترات طويلة، بينما يجري تغريم الفلسطينيين بسبب مخالفات مرورية بسيطة أو مخالفة أنظمة الوقوف. وتفيد التقارير بأنّ هذا الأمر يتم بتحريض من المستوطنين. كما يتهم السكان المحليون المستوطنين بالتصرف كما لو كانوا يعيِّنون أنفسهم بأنفسهم كأفراد شرطة أو مفتشين تابعين للبلدية، حيث يطلبون – مثلًا – الاطّلاع على السجلات الضريبية للمحلات التجارية في الحي، أو يصورون أعمال البناء غير المرخصة ويرفعون دعاوى الهدم بحق المباني التي يملكها الفلسطينيون من أبناء الحي.
ووفقًا للجنة المحلية لحي بطن الهوى، فقد أصدرت الشرطة نحو 40 أمرًا منذ مطلع العام 2018، حيث قضت فيها بوضع الفلسطينيين رهن الإقامة الجبرية أو منعهم من الدخول إلى الحي لفترات متفاوتة: وقد طالت جميع هذه الحالات، بإستثناء ثلاث منها، فتية لم يبلغوا 18 عامًا من أعمارهم. وخلال الفترة نفسها، وُجِّه أمر لمستوطن إسرائيلي واحد بالإبتعاد عن الحي لفترة بلغت 25 يومًا.[7] كما أشارت اللجنة المحلية إلى أن القوات الإسرائيلية دأبت على إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع خلال الإشتباكات مع الفلسطينيين قبل العام 2014، ولكنها باتت الآن تستخدم قنابل الصوت عقب الشكاوى التي رفعتها أُسر المستوطنين الإسرائيليين في المنطقة.
لقد دفعت البيئة القسرية التي سبّبها العنف والقيود الناشئة عن التجمعات الإستيطانية، والقلق على سلامة الأطفال، بعض سكان الحي إلى الإنتقال إلى مناطق أخرى في القدس الشرقية. وتقدّر اللجنة المحلية أنّ ما لا يقل عن 30 أسرة إنتقلت من حي بطن الهوى خلال العام 2017، كما رحلت سبع أسر أخرى من الحي منذ مطلع العام 2018. ويضم العديد من الأسر المعرّضة لخطر الإخلاء لاجئين فلسطينيين يخشون من التعرّض للتهجير القسري مرة أخرى. فحسبما ورد على لسان أحد سكان الحي الفلسطينيين: "إنّ بطن الهوى بركان قد ينفجر بين لحظة وأخرى... فالمستوطنون أناس ينتقلون إلى الحي بالقوة، لا ليكونوا جيرانًا طيبين، بل ليستولوا على بيوتنا. لقد بات منزلنا الذي نملكه على مدى أجيال بمثابة ساحة معركة تتسم مستويات عالية من العداوة والضغط."
[1] للإطلاع على خلفية حول الطرق المستخدمة في الإستيلاء على هذه الممتلكات، انظر فصل "الأثر الإنساني للمستوطنات في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية: عمليات الإخلاء والتهجير"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نشرة الشؤون الإنسانية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر2017، على الموقع الإلكتروني
[2] للإطلاع على المزيد من المعلومات حول هذه الآثار، انظر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، المصدر السابق. ولا يُعرف العدد الكلي لدعاوى الإخلاء منذ العام 1967. ويشير مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في العام 2016 إلى أن دعاوى إخلاء رُفعت ضد 180 أسرة فلسطينية في القدس الشرقية، وأن المنظمات الإستيطانية أقامت غالبية هذه الدعاوى. ونتيجة لذلك، يتعرّض 818 فلسطينيًا، بمن فيهم 372 طفلًا، لخطر التهجير. ومنذ ذلك الحين، تعرّضت أربع أسر من تلك الأسر، والتي تضم 30 فردًا، للإخلاء من منازلها.
[3] انظر "تصاعد التوتر بعد التوسع الإستيطاني في حي فلسطيني في القدس الشرقية"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نشرة الشؤون الإنسانية لشهر كانون الأول/ ديسمبر 2015، على الموقع الإلكتروني
‘Continued settlement activity in East Jerusalem’, OCHA Humanitarian Bulletin, September 2014.
[4] في يوم 14 حزيران/ يونيو 2018، أمرت محكمة العدل العليا حارس الأملاك العام بتقديم توضيح خطي في غضون 30 يومًا حول ما إذا كان قد أخطر الأسر المعنية بنيته نقل ملكية الأرض إلى منظمة عطيرت كوهانيم في العام 2002، كما أمرت محامي الحي المذكور بإبلاغ المحكمة حول ما إذا كانت الأسر التي يمثلونها قد تلقت إخطارات صحيحة من حارس الأملاك العام قبل إصدار سند الملكية لهذه المنظمة. انظر Nir Hasson, “Israel Must Explain How East Jerusalem Land Was Transferred to Rightwing NGO, Top Court Rules,” Haaretz, 19 June 2018.
[5] المقابلة التي أجراها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مع السكان المحليين، 21 حزيران/ يونيو 2018.
[6] في يوم 14 شباط/ فبراير 2018، إستدعى مستوطن شرطة حرس الحدود، حيث إدعى أنّ أطفالًا فلسطينيين من سكان الحي حاولوا دهس أطفاله بدراجتهم الهوائية. وبعدما حققت الشرطة في الحادثة وإطلعت على صور الفيديو المأخوذة من الكاميرات المحلية، تبين أن ابن المستوطن هو من قفز أمام الدراجة.
[7] وفقًا لسكان الحي، لم يمتثل هذا المستوطن للأمر الصادر عن الشرطة، حيث شوهد على الكاميرا وهو يسير في سلوان في يوم 12 آذار/ مارس، بعد يومين من صدور الأمر المذكور بحقه.