«قضيتُ خمس سنوات في بناء منزل يخصني لأنتقل إليه من منزل أهل زوجي الذين كانوا يسيئون معاملتي، حيث كنا جميعًا نسكن معًا. وفي غضون ثوانٍ، دُمر منزل أحلامي، مع جميع مقتنياتي والأشياء القليلة التي تمكنت من شرائها لأطفالي ليحتفلوا بالعيد.
كنت أنا والأطفال في غاية السعادة أننا امتلكنا بيتًا أخيرًا. ولكننا بتنا الآن بلا مأوى وليس لدينا مكان نذهب إليه. وأولادي الآن في حالة دائمة من الخوف. وما عاد ابني يصغي إلي. فهو يسب أخواته الصغيرات ويضربهن. كل ما أريده في حياتي أن يكون لي منزل، وأن أرى أبنائي يكبرون وأن أعيش حياة أفضل. لا أريد أن أتوسل الناس أو أرى أحدًا يشفق علي.»
ريم، تموز/يوليو 2021
ريم (اسم مستعار) امرأة تبلغ 27 عامًا من العمر، من سكان غزة وأم لثلاثة أطفال تقل أعمارهم عن 10 أعوام. تزوجت وعمرها لم يتجاوز 15 عامًا وسكنت مع أهل زوجها لمدة أربع سنوات. وعانت خلال هذه الفترة من مستويات عالية من العنف الأسري وتولدت لديها ميول انتحارية في حالات كثيرة.
لم تستطع ريم الانتقال من منزل أهل زوجها لأنه لم يكن لديها مكان آخر تذهب إليه. ولم تكن العودة إلى منزل والديها خيارًا ممكنًا لأنهما كبيران في السن وصحتهما معتلة، ومنزلهما مكتظ بخمسة عشر من إخوتها وأخواتها. ولكن ريم تمكنت من خلال المساعدة المالية والخيرية التي تلقتها من أفراد المجتمع المحلي من تشييد منزل يخصها وتحويله إلى منزل أحلامها. وكان هذا المنزل، على الرغم من بساطته، كافيًا ليؤمّن مأوى آمنًا لها ولأولادها.
وفي 13 أيار/مايو 2021، أطلقت القوات المسلحة الإسرائيلية صاروخًا تحذيريًا على الحي وأُجبرت ريم على إخلاء منزلها دون أن يتاح لها الوقت لجمع أي من مقتنياتها. والتمست هي وأطفالها المأوى في مدرسة تابعة لوكالة الأونروا، ودُمر منزلها بينما كانت هناك. ومكثت ريم وأبناؤها، الذين لم يكن لديهم أي مأوى بديل، في المدرسة لمدة 25 يومًا، حيث كانت الظروف أبعد ما تكون عن الوفاء باحتياجاتهم. فلم تكن المدرسة مكانًا مخصصًا رسميًا للإيواء، لذا لم تكن تتوفر فيها أي مساعدات طارئة، بما فيها المواد الغذائية أو الفرشات أو الأغطية. وكانت ريم تخشى، بوصفها ناجية من العنف الأسري، على نفسها وعلى بناتها في كل مرة كن فيها في حاجة إلى استعمال الحمام. وتعرض الأطفال للصدمة بفعل حالة التصعيد وحالة انعدام الأمن التي أُجبروا على العيش فيها. ويساور ريم القلق حيال أبنائها وتجد سلوكهم صعبًا.
وقد شُيد منزل ريم بصورة غير رسمية، أي دون ترخيص، على أرض حكومية. وتُعدّ الأسر التي دُمرت منازلها أو لحقت الأضرار بها مؤهلة للحصول على دعم الحكومة أو هيئات الإيواء، إلى جانب المساعدات النقدية للمأوى المؤقت، لمساعدتها على استئجار مساكن مناسبة في الوقت الذي يجري فيه إعادة بناء منازلها أو ترميمها. ولكن لا تستحق الأسر التي تملك منازل غير مرخصة الحصول على هذه المساعدات. ولحسن الحظ، تستأجر ريم الآن شقة لمدة ستة أشهر فقط بفضل المساعدة التي قدمتها جمعية عايشه لحماية المرأة والطفل لها. وتتعرض ريم وأبناؤها لخطر التشرد حال انقضاء هذه الفترة. كما تتلقى ريم الإرشاد والدعم النفسي والاجتماعي من جمعية عايشه.
وعلاوة على ذلك، تعاني ريم من الذأب، وهو مرض مزمن من أمراض المناعة الذاتية، ويستدعي دعمًا وعلاجًا مدى الحياة. وقد تفاقم وضعها بسبب منعها من الحصول على الرعاية الطبية في القدس الشرقية بسبب رفض إسرائيل المتواصل منحها تصريحًا للخروج من غزة. ففي العام 2017، قدمت ريم سبعة طلبات للحصول على تصريح، ولكنها رفضت كلها. وقد توقفت ريم عن تقديم هذه الطلبات منذ ذلك الحين بعد الإرهاق العاطفي الذي ألمّ بها. وعلاج مرض الذأب نادر في غزة، ومكلف لهذا السبب، حيث لا تقدر ريم على تحمله في أحيان كثيرة. ويزيد هذا الضغط من سوء حالتها الطبية.
أسفرت جائحة كورونا وحالة التصعيد في أيار/مايو 2021 عن زيادة عدد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي المبلّغ عنها.[1] فوفقًا للمجموعة الفرعية المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، تعرضت 38 في المائة من النساء المتزوجات حاليًا أو سابقًا في غزة للعنف على يد أزواجهن، بما فيه العنف النفسي والاقتصادي والاجتماعي، قبل حالة التصعيد التي استمرت 11 يومًا في أيار/مايو 2021. والتزم أكثر من نصف النساء المتزوجات أو المتزوجات سابقًا (واللاتي تتراوح أعمارهن من 18 إلى 64 عامًا) الصمت حيال العنف الذي تعرضن له، ولم يُفد سوى 28 من هؤلاء النسوة بأنهن كن على علم بالخدمات المتاحة في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي.[2] وقد أفضت حالة التصعيد في أيار/مايو والجائحة إلى زيادة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي. فوفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، طرأت زيادة على العنف ضد النساء والأطفال في أعقاب حالة التصعيد التي شهدها العام 2014. ولوحظت نتائج مشابهة عقب مظاهرات[3] مسيرة العودة الكبرى[4] ولاحظت الهيئة زيادة ثابتة في آليات التأقلم السلبية، كالتسرب من المدارس والزواج المبكر بين الفتيات.[5]
وأشارت مؤسسة سوا، وهي مؤسسة تشغل خطًا هاتفيًا على مدار الساعة للمساعدة في حالات الطوارئ وتقدم خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي والدعم الطبي والقانوني لضحايا العنف، إلى زيادة بلغت 135 في المائة في أيار/مايو 2021 بالمقارنة مع أيار/مايو 2020. كما أفادت المؤسسة بأن 82 في المائة من جميع المكالمات التي تلقتها خلال الأسبوعين الأولين من أيار/مايو وردت من غزة.[6]
وأسفرت حالة التصعيد في أيار/مايو عن مقتل 41 امرأة و23 فتاة تحت سن 18 عامًا وإصابة 398 امرأة بجروح، ويُتوقع أن تعاني 10 في المائة منهن من إعاقات طويلة الأمد. وفقد ما مجموعه 101 امرأة أزواجهن.[7]
[1] https://palestine.unfpa.org/en/gender-based-violence
[2] مركز شؤون المرأة، غزة 2021، تقرير التقييم السريع للاحتياجات الفورية والمحلية لدى النساء والفتيات الضعيفات والضعيفات للغاية في أعقاب حالة التصعيد في أيار/مايو، ص. 22
[3] بين آذار/مارس 2018 و31 كانون الأول/ديسمبر، شارك الآلاف من الفلسطينيين في مظاهرات مسيرة العودة الكبرى على السياج الحدودي مع إسرائيل. وبينما تصرفت الغالبية الساحقة من المحتجين بصورة سلمية، اقترب بعضهم من السياج وحاولوا تدميره، وأحرقوا الإطارات، وألقوا الحجارة والزجاجات الحارقة على القوات الإسرائيلية. وقُتل نحو 214 فلسطينيًا، من بينهم 46 طفلًا، وأصيب ما يربو على 36,100 آخرين، بمن فيهم نحو 8,800 طفل، بجروح. وقد أثارت الطرق التي اعتمدتها القوات الإسرائيلية في السيطرة على الحشود خلال مسيرة العودة الكبرى قلقًا بالغًا إزاء الاستخدام المفرط للقوة، والذي يقترن بغياب التحقيقات وإجراءات المساءلة الفعالة. ووجدت لجنة تحقيق مستقلة، عيّنها مجلس حقوق الإنسان، أسبابًا معقولة حملتها على الاعتقاد بأن استخدام القوات الإسرائيلية للذخيرة الحية ضد المتظاهرين كان غير قانوني في معظم الحالات.
[4] UN Women June 2021, Gender and Wars in Gaza Untangled: What Past Wars Have Taught Us? P. 13.
[5] مؤسسة سوا، ورقة حقائق رقم 25، أيار/مايو 2021.
[6] SAWA Helpline Factsheet #25, May 2021
[7] مركز شؤون المرأة، غزة 2021، تقرير التقييم السريع للاحتياجات الفورية والمحلية لدى النساء والفتيات الضعيفات والضعيفات للغاية في أعقاب حالة التصعيد في أيار/مايو، ص. 22.