«كنت مذعورة حقًا خلال الحرب، ولكنني لست كذلك هنا في أسابيع المرح الصيفية. أكثر شيء أحبه هو الرسم. أريد أن أرسم كل شيء. سأشعر بالحزن الشديد عندما تنتهي هذه الأنشطة. أتمنى لو كنت أستطيع أن أشارك أكثر من أسبوع واحد.»
جنا، مشاركة عمرها 9 أعوام.
شارك 150,000 طفل من جميع أنحاء غزة في المخيمات الصيفية التي أقامتها وكالة الأونروا ونفذت أنشطة رياضية وفنية وجماعية على مدى أربعة أسابيع بدءًا من 4 تموز/يوليو. وكان الهدف العام لهذه المخيمات يتمثل في منح الأطفال الشعور بالمرح والتخفيف من الضغط الذي يعانون منه وتعزيز صحتهم العقلية والبدنية وترسيخ آليات التأقلم الإيجابية في بيئة مأمونة. كما شكلت الأنشطة التي أجرى الكثير منها مرشدون نفسيون آليات للإحالة إذا كان طفل من الأطفال في حاجة إلى المزيد من الدعم النفسي والمتابعة.
ويتحمل الأطفال في غزة وطأة الحالة الإنسانية المتفاقمة، فابتُليت طفولتهم بحالات التصعيد وجائحة كورونا. وتوفر هذه الأنشطة الترويجية فسحة هم في أمسّ الحاجة إليها. فقد أسفرت حالة التصعيد في أيار/مايو عن مقتل 66 طفلًا وإصابة 685 آخرين بجروح، وقد يعاني بعضهم من إعاقات طويلة الأمد.
ومع أن أعداد الضحايا كانت أقل منها في حالة التصعيد في العام 2014، فإن شدة القصف الذي طال المراكز الحضرية المكتظة بالسكان لم يسبق لها مثيل. ووفقًا لمعالج نفسي بارز في غزة، فسوف يزيد الأثر النفسي أزمة الصحة العقلية المستفحلة في الأصل.[1]
وتشير التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن 675,600 طفل، أو ما نسبته 75 بالمائة من الأطفال في غزة (البالغ عددهم 895,487 طفلًا) في حاجة إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي وتقديم هذه الخدمات على مستوى المجتمع المحلي ومستوى الأسرة. ويُعدّ الأطفال ضعفاء بصفة خاصة، حيث يعانون من معدلات مرتفعة من الضغط النفسي، بما يشمله من مخاطر الاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة، والاكتئاب، والتوتر، والمشاكل السلوكية، واضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط الحركي والإعاقة الوظيفية.[2]
والإمكانيات المتاحة للاستجابة للاحتياجات المتزايدة محدودة للغاية وتأثرت تأثرًا جسيمًا بفعل النقص الحاد في أعداد الموظفين المتخصصين والأدوية، حتى قبل حالة التصعيد في أيار/مايو. وفي غزة، لا يوجد حاليًا سوى 92 مستشارًا مدربًا في مجال الدعم النفسي والاجتماعي. وثمة 7,350 طفلًا لكل مستشار، وهو عدد لا يفي بالاحتياجات الراهنة البتة.
ووفقًا للمفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، «أن تكون طفلًا في غزة اليوم يعني أنك لا محالة شهدت مستوى من الصدمة لم يشهده أقرانك في مكان آخر بالعالم. ولذلك، يُعدّ الدعم النفسي والاجتماعي أحد الأولويات الرئيسية للأونروا في غزة بعد النزاع الأخير.» ويؤكد د. إياد زقوت، مدير برنامج التعليم في وكالة الأونروا، الحاجة إلى أنشطة الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي طيلة العام الدراسي.
وفي العام 2018، واجهت الأونروا أكبر أزمة مالية في تاريخها، حيث شهدت نهاية مفاجئة للتمويل الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة، التي كانت أكبر مانحيها. ومنذ ذلك الحين، لا تزال الأونروا تواجه وضعًا تمويليًا تحفه مخاطر متزايدة. وكانت برامج الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي من بين البرامج الأشد تضررًا. وعلى الرغم من استئناف تمويل الولايات المتحدة، فقد أسفرت الأزمة المالية المتواصلة، وما اقترن بها من جائحة كورونا، عن تقليص نطاق الأنشطة الصيفية، بما شمله ذلك من خفض عدد الأطفال الذي يمكن إشراكهم في هذه الأنشطة بما نسبته 50 بالمائة.
ويقول د. زقوت: «إنها مشكلة كبيرة عندما يعتمد شيء يعد مهمًا وأساسيًا لعافية أطفال غزة، كأنشطة الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، على هذا النوع من التمويل.» «ولا يُعزى الوضع النفسي والاجتماعي إلى حالة التصعيد فحسب، بل إنه يمثل تراكمًا لعوامل عدة. ويستدعي العلاج البقاء على تواصل مع الحالات ومتابعتها وتعزيز قدرة المريض على الصمود. فإذا تركنا الناس وحدهم، فسوف يعانون من جديد. ويجب ألا يتاح التمويل خلال حالات الطوارئ أو بعدها فقط، بل يجب توسيع نطاق جميع خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي.»
[1] أبو جامع، ياسر، 4 حزيران/يونيو 2021، أزمةٌ جديدةٌ من أزمات الصحة النفسية تجتاح غزة، مجلة للعلم (Scientific American).
[2] UNICEF, Protection Analysis Update, July 2021