«كلفني شراء الأسمدة والأشتال وغيرها من المواد نحو 10,000 شيكل (ما يعادل 3,000 دولار) لكي أجهز الأرض لموسم الصيف. وكان ذلك كله بالدين. وعادةً ما نعتمد على الصادرات لنغطي التكلفة، ونؤمّن سبل عيشنا ونجني بعض الأرباح. وقد نشبت الحرب مع بداية الحصاد في أيار/مايو. وكانت آثار إغلاق المعابر والقيود الجديدة، إلى جانب موجة الحر مدمرة. يتصل المورد كل يومين بي للمطالبة بنقوده. من المذل للغاية ألا تملك القدرة على تسديد ديونك. هذا مخزٍ. السوق المحلي مشبع بالبندورة ولا يدر أي ربح ولا يغطي التكلفة.»
محمد، 6 تشرين الأول/أكتوبر 2021
يزرع محمد (اسم مستعار)، الذي يبلغ 35 عامًا من العمر وأب لعشرة أبناء، البندورة في رفح، جنوب غزة. ويحظى مشروعه بدعم مشروع يسمى «المساعدة العاجلة للأسر الضعيفة والمزارعين في رفح»، الذي يموله الصندوق الإنساني للأرض الفلسطينية المحتلة، ويسعى إلى انتشال الأسر الذي تعاني من انعدام الأمن الغذائي من الفقر. وتنفذ هذا المشروع منظمة العمل ضد الجوع غير الحكومية، بالشراكة مع المركز العربي للتطوير الزراعي.
ومحمد خريج جامعي يحمل درجة البكالوريوس في المحاسبة، ولكن ليس في وسعه أن يعمل في وظيفة محاسب بسبب فرص العمل المحدودة. وليس أمامه من خيار سوى زراعة الخضروات لكي يكسب قوته ويعيل أسرته.
بلغ معدل البطالة في قطاع غزة 43.1 بالمائة بين الأفراد في سن 15 سنة فأكثر خلال الربع الأخير من العام 2020. وسجلت معدلات البطالة بين الذكور 39 بالمائة وبين الإناث 60.4 بالمائة.[1] وبلغ معدل الفقر في غزة 53 بالمائة.[2] وكان 62 بالمائة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أعقاب حالة التصعيد.[3]
ومنذ أن فرضت السلطات الإسرائيلية الحصار في العام 2007 بعدما استولت حركة حماس على مقاليد السلطة في غزة، بات المزارعون فيها معتادون على القيود المفروضة على الوصول إلى الأسواق الخارجية، بما فيها الضفة الغربية. وتستغرق الخضروات يومين على الأقل للوصول إلى أسواق الجملة في الضفة الغربية منذ لحظة قطافها في غزة، بينما تستغرق ثلاثة أيام كحد أدنى للوصول إلى الأسواق الإسرائيلية بسبب الاختبارات الإلزامية الإضافية التي تجريها السلطات الإسرائيلية. وبحلول الوقت الذي تصل فيه المنتجات الطازجة إلى الأسواق الخارجية، تكون جودتها قد تدنت، وخاصة في ظروف الجو الحار.
وعقب حالة التصعيد في أيار/مايو، علقت إسرائيل في بادئ الأمر جميع الصادرات من غزة لنحو 40 يومًا، مما كبد المزارعين خسائر ناهزت 12 مليون دولار.[4] ثم فرضت قيود جديدة، بما فيها إزالة العنق (القمعة الخضراء) عن كل ثمرة من ثمار البندورة قبل خروجها من غزة. وقد أثر ذلك سلبًا على نوعية هذا المنتج وعلى فترة صلاحيته. ووفقًا لمحمد، كان السبب الذي أبدته السلطات الإسرائيلية لهذه القيود الجديدة يكمن في أن إزالة القمع يقلل من وجود البكتيريا في البندورة. ويفيد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأن وضع هذا الشرط على تصدير البندورة لا يتوافق مع رغبة المستهلكين في الأسواق الخارجية التي تطلب ثمار البندورة على شكل قطوف أو عناقيد.
وفي الشهرين الذين سبقا حالة التصعيد، آذار/مارس ونيسان/أبريل، صُدِّر أكثر من 9,000 طن من الخضروات من غزة إلى الضفة الغربية. وفي المقابل، لم تسمح السلطات الإسرائيلية إلا بتصدير نحو 1,000 طن في الشهر خلال الشهرين الذي أعقبا حالة التصعيد، حزيران/يونيو وتموز/يوليو. وشهد تصدير البندورة، التي تستحوذ في العادة على نحو 80 بالمائة من الخضروات التي تخرج من غزة، انخفاضًا هائلًا.
وبعدما احتج المزارعون على القيود الجديدة،[5] رفعت السلطات الإسرائيلية هذا القيد مؤقتًا في تموز/يوليو، ولكنها أعادت فرضه في آب/أغسطس، مما أدى إلى تراجع كمية الخضروات المصدرة من غزة إلى حد كبير.
وعلى الرغم من وجود مشاريع كالمشروع الذي يزرع محمد البندورة من خلاله، لا يزال الحصار الذي تفرضه إسرائيل يقوض تصدير المنتجات الطازجة من غزة. ويقول محمد: «زراعة الخضروات عمل شاق في الواقع. فهو يتطلب الكثير من الطاقة والوقت والمال. ويزيد التعرض لحالات التصعيد والإغلاقات من تفاقم ذلك كله. إن أقل ما نريده هو أن تُفتح المعابر أمام صادراتنا.»
[1] https://www.pcbs.gov.ps/portals/_pcbs/PressRelease/Press_En_15-2-2021-LF-en.pdf
[2] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، آذار/مارس 2020، فلسطين في أرقام 2020، ص. 26.
[3] بيان صحفي صادر عن البنك الدولي، 6 تموز/يوليو 2021، إعادة بناء غزة في خضم ظروف قاسية: الأضرار والخسائر والاحتياجات.
[4] وزارة الزراعة، الزراعة تطلع الصحفيين على أضرار المزارعين والتجار من جراء منع التصدير.
[5] وزارة الزراعة، بالصور.. مزارعون يحتجون أمام” الأونسكو” رفضاً لاشتراطات الاحتلال على صادراتهم الزراعية.